التراث الإنسانى المصرى لازال يمتلاء بحكم وتعبيرات سحرية وعجيبة..كلما فكرت فى سبر أغوارها أعود وكلى ظمأ للمزيد والمزيد... كلمات ليست كالكلمات, ربما صاغها رجل من البسطاء بتواضع و تلقائية لم يبحث من ورائها أن يُسجل إسمه فى قائمة الحكماء ولكنها سُجلت....!كنت أسمع أهل القرية ممن يكبروننى فى العمر بعقود طويلة يتحدثون عن شرف الكلمة,..وأن الرجل كلمة وموقف..موقف لايتبدل طالما كان إيمانه به راسخا" وكان يقصد به وجه الله...مهما إجتمع عليه الناس من ناقد أو ناقم.. يقينه وقناعته بموقفه لاتتبدل..
وكنت أسمع منهم عن (
العيش والملح) عندما يقصدون به تلك الرابطة التى تجمعهم مع غيرهم من الناس وتعطى لهؤلاء الناس حقا" عليهم من المودة والإخلاص والوفاء...
ياربى...!, لماذا العيش والملح رغم أنهم أزهد مايحتاج إليه الإنسان ليسد به جوعه؟...
لم أكن أدرى أن بساطة هؤلاء الناس وبساطة (
العيش والملح) هى قمة التعبير عن قوة الروابط بينهم وإن كانت بشئ زهيد فى قيمة العيش والملح...!
وكبرنا ونضجت عقولنا وجلودنا بثقافة الحياة ولهيبها..وعرفنا أن رابطة الدين هى الأقوى والأهم..
وأن الله سبحانه يقول عنا(
إنما المؤمنون إخوة)...لكن الأخوة فى العراق يأكلون لحوم بعض حية وميته..!, والإخوة فى فلسطين ينهشون لحوم بعض بأسلحة عليها نجمة داود..!,والأخوة فى باكستان وأفغانستان ودارفور وكشمير,...., الأخوة لازالوا أبطالا" فى رواية قابيل وهابيل...!
وعرفنا أن(
بلاد العُرب أوطانى)...وأننا نرتبط بدين ولغة وتاريخ ومصير واحد...وأن حزمة الحطب أقوى من عود الحطب ياسعفان...!
لكنننا رأينا أن الأفضل لنا أن أكون أنا والغريب على إبن عمى... وأن رعاة البقر هم أولى بمودتنا من بنى قحطان وعدنان....!
وعرفنا أن الوطن والمواطنة والنيل شريان الحياة مياهه تسبح فى عروقنا جميعا"..وأن مصر هى أمى ونيلها جوه دمى...لكن هان علينا المصريون وهانت الأم وهان الدم وهان النيل فأصبح سمارنا من وهج الدولار واليورو...!
حتى الأسرة الواحدة...الأب لايدرى عن إبنه شئ..لايدرى كيف قضى يومه...ومن قابل...ومن حاور..وماهى الامه؟..وماهى أحلامه؟..الأب تحول إلى ماكينة لتفريخ النقود فقط...!, هرسته الحياة فنسى أبناءه ونسى نفسه ونسى أخوته وأبناء خاله وعمه....!
قمة سعادتى فى نجاحى فى عملى....لكنها أحيانا" تتحول لقمة تعاستى وبؤسى عندما أشعر بأنى تحولت لمجرد ألة فى دولاب حياة لايرحم ....
فأشعر أن الحياة هى التى تعيش بداخلى وانا لاأعيش سوى داخل نفسى
..
أجزع فأهرع لأرتمى وسط أحضان أهلى وأحبائى الذين أكلت معهم
(
العيش والملح)...
ربما أسترد أدميتى من بين أنياب هذه الماكينة الطاحنة...!:
ماذا يربط بيننا وبين الناس اليوم؟
لماذا خان من خان وباع من باع؟كل عام وأنتم بوفاء وإخلاص وأخوة